الجامعة والنفق المسدود (2/2)
ليس ضروريا أن يكون الواحد منا عبقريا لكي يستنشق رائحة الكعكة الجامعية،
التي يتم تقسيمها في الكواليس، إذ يكفي أن نعود إلى بلاغ النقابة لكي نقرأ
ما ورد في سطر يختصر كل الحكاية المشار إليها أعلاه، وهو أن المكتب الوطني
للنقابة قبل بمقترح عقد مؤتمر استثنائي أواخر هذه السنة الجامعية، وتم
تقديم ذلك بمبرر «الرقي بالنقابة، وتحسين وعصرنة إدارتها وعملها».
وما لا يعلمه عموم أساتذة الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي الأخرى، هو أن هذا هو المطلب الرئيسي لتيار حزب العدالة والتنمية، الذي لطالما كان الوزير الحالي لحسن الداودي أحد أركانه، وكان لأكثر من مرة مؤتَمِرا في مؤتمرات سابقة ممثلا للحزب، حيث إن تيار العدالة والتنمية، والذي ظل في السنتين الأخيرتين يهدد بالانشقاق وتأسيس نقابة جديدة، علما أن قطاع التعليم العالي هو القطاع الوحيد الذي سلم حتى الآن من لوثة التسيب النقابي، كان يشترط عدم انشقاقه بعقد مؤتمر استثنائي.
فإذا كان هذا التيار يتذرع باسم الديموقراطية للمطالبة بمؤتمر كهذا، فإن المسكوت عنه الحقيقي هو أنه يطالب بإعادة تقسيم «كعكة المقاعد». والدليل على ذلك هو أن تيار العدالة والتنمية كان قد أتى بحماس منقطع النظير للمؤتمر العاشر للنقابة، والذي عقد في مارس 2013، وصوت كل أعضائه بالإيجاب على التقريرين الأدبي والمالي للمكتب الوطني الذي كان يترأسه عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي حاليا محمد الدرويش. لكن هؤلاء اكتشفوا بعد يومين من أشغال المؤتمر أنهم تعرضوا للخيانة، إذ أن عدد المقاعد التي وعدوا بها في الكواليس، لا تحترم حجمهم، إذ مُنحوا نفس عدد المقاعد التي منحت لحزبين ميكروسكوبيين كحزب التقدم والاشتراكية والاشتراكي الموحد، وهو ما اعتبره الحزب الحاكم إهانة له، وهو الذي يقود الحكومة، بل ويقود القطاع.
لذلك لم يجد أعضاء الحزب إلا الخروج إلى ساحة معهد مولاي رشيد، الذي احتضن المؤتمر، والبدء في رفع الشعارات «المنددة» بالاستبداد الذي يمارسه «التيار الأبوي»، حسب زعمهم، ويقصدون تيار الاتحاد الاشتراكي، بينما الحقيقة هي أنهم انسحبوا احتجاجا على ضعف المقاعد المخصصة لهم في الكواليس وليس بسبب حرصهم على تطبيق الديموقراطية.
ومنذ ذلك الحين، قرر الحسن الداودي أن يدخل في الحرب مع النقابة، موظفا مؤسسات الوزارة للثأر من الاتحاد الاشتراكي الذي يسيطر على النقابة، والذي أبان بعض المنتمين إليه إبان هذا المؤتمر عن علو كعبهم في «التكوليس»، سواء في المطالب، بل وحتى في المناصب، لتبدأ الإضرابات والتصريحات النارية من الطرفين.
والغريب أن النقابة إبان أزمتها مع الداودي كانت تدبج بلاغاتها بأسلوب عنتري يستمد لغته النارية من خطابات السبعينيات والثمانينيات من قبيل الدفاع عن الجامعة العمومية، فضلا عن انتقادها للحكومة «اللاوطنية» و«اللاشعبية»، وعندما تصالحت معه، نسيت كل هذه الشعارات وبدأت تستعرض إنجازاتها في البلاغ، مع أن ما أنجزته ليس سوى مجرد فتات في أفواه بعض الفئات، ولا علاقة له بجوهر مطالب أساتذة التعليم العالي، بل وبمتطلبات هذا القطاع.
وبالعودة إلى البلاغ النقابي، فما لا يذكره هذا البلاغ هو أنه في مقابل التجاوب السريع والمفاجئ مع مطالب النقابة، والتي تخوض امتحانات انتخابية هذه السنة على صعيد مجالس الكليات والجامعات والمكاتب الجهوية، نجد النقابة تستجيب لأحد أهم المطالب التي ينادي بها «التيار التصحيحي» المحسوب على حزب العدالة والتنمية، والذي انسحب من المؤتمر العاشر للنقابة كما قلنا. والسؤال المطروح هو: ما الذي يجعل من الأجهزة الحالية للنقابة «غير جيدة وغير عصرية»، كما قال البلاغ؟
أليس هذا اعترافا واضحا بفشل الأحادية الحزبية في تدبير دفة النقابة؟ أليس هذا اعترافا بجملة الملاحظات التي سجلها التيار الإسلامي المنسحب من المؤتمر العاشر، والذي دعا إلى تعديل القانونين الأساسي والداخلي للنقابة، واللذين وصفهما بالتقليدية والشمولية؟
وما لا يعلمه عموم أساتذة الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي الأخرى، هو أن هذا هو المطلب الرئيسي لتيار حزب العدالة والتنمية، الذي لطالما كان الوزير الحالي لحسن الداودي أحد أركانه، وكان لأكثر من مرة مؤتَمِرا في مؤتمرات سابقة ممثلا للحزب، حيث إن تيار العدالة والتنمية، والذي ظل في السنتين الأخيرتين يهدد بالانشقاق وتأسيس نقابة جديدة، علما أن قطاع التعليم العالي هو القطاع الوحيد الذي سلم حتى الآن من لوثة التسيب النقابي، كان يشترط عدم انشقاقه بعقد مؤتمر استثنائي.
فإذا كان هذا التيار يتذرع باسم الديموقراطية للمطالبة بمؤتمر كهذا، فإن المسكوت عنه الحقيقي هو أنه يطالب بإعادة تقسيم «كعكة المقاعد». والدليل على ذلك هو أن تيار العدالة والتنمية كان قد أتى بحماس منقطع النظير للمؤتمر العاشر للنقابة، والذي عقد في مارس 2013، وصوت كل أعضائه بالإيجاب على التقريرين الأدبي والمالي للمكتب الوطني الذي كان يترأسه عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي حاليا محمد الدرويش. لكن هؤلاء اكتشفوا بعد يومين من أشغال المؤتمر أنهم تعرضوا للخيانة، إذ أن عدد المقاعد التي وعدوا بها في الكواليس، لا تحترم حجمهم، إذ مُنحوا نفس عدد المقاعد التي منحت لحزبين ميكروسكوبيين كحزب التقدم والاشتراكية والاشتراكي الموحد، وهو ما اعتبره الحزب الحاكم إهانة له، وهو الذي يقود الحكومة، بل ويقود القطاع.
لذلك لم يجد أعضاء الحزب إلا الخروج إلى ساحة معهد مولاي رشيد، الذي احتضن المؤتمر، والبدء في رفع الشعارات «المنددة» بالاستبداد الذي يمارسه «التيار الأبوي»، حسب زعمهم، ويقصدون تيار الاتحاد الاشتراكي، بينما الحقيقة هي أنهم انسحبوا احتجاجا على ضعف المقاعد المخصصة لهم في الكواليس وليس بسبب حرصهم على تطبيق الديموقراطية.
ومنذ ذلك الحين، قرر الحسن الداودي أن يدخل في الحرب مع النقابة، موظفا مؤسسات الوزارة للثأر من الاتحاد الاشتراكي الذي يسيطر على النقابة، والذي أبان بعض المنتمين إليه إبان هذا المؤتمر عن علو كعبهم في «التكوليس»، سواء في المطالب، بل وحتى في المناصب، لتبدأ الإضرابات والتصريحات النارية من الطرفين.
والغريب أن النقابة إبان أزمتها مع الداودي كانت تدبج بلاغاتها بأسلوب عنتري يستمد لغته النارية من خطابات السبعينيات والثمانينيات من قبيل الدفاع عن الجامعة العمومية، فضلا عن انتقادها للحكومة «اللاوطنية» و«اللاشعبية»، وعندما تصالحت معه، نسيت كل هذه الشعارات وبدأت تستعرض إنجازاتها في البلاغ، مع أن ما أنجزته ليس سوى مجرد فتات في أفواه بعض الفئات، ولا علاقة له بجوهر مطالب أساتذة التعليم العالي، بل وبمتطلبات هذا القطاع.
وبالعودة إلى البلاغ النقابي، فما لا يذكره هذا البلاغ هو أنه في مقابل التجاوب السريع والمفاجئ مع مطالب النقابة، والتي تخوض امتحانات انتخابية هذه السنة على صعيد مجالس الكليات والجامعات والمكاتب الجهوية، نجد النقابة تستجيب لأحد أهم المطالب التي ينادي بها «التيار التصحيحي» المحسوب على حزب العدالة والتنمية، والذي انسحب من المؤتمر العاشر للنقابة كما قلنا. والسؤال المطروح هو: ما الذي يجعل من الأجهزة الحالية للنقابة «غير جيدة وغير عصرية»، كما قال البلاغ؟
أليس هذا اعترافا واضحا بفشل الأحادية الحزبية في تدبير دفة النقابة؟ أليس هذا اعترافا بجملة الملاحظات التي سجلها التيار الإسلامي المنسحب من المؤتمر العاشر، والذي دعا إلى تعديل القانونين الأساسي والداخلي للنقابة، واللذين وصفهما بالتقليدية والشمولية؟
ثم هل التغيير الذي سيأتي به المؤتمر الاستثنائي سيشمل الوجوه فقط، وعلى
رأسها الكاتب الوطني الحالي، والذي يشهد الجميع بضعفه، بدليل حضوره الباهت
في مناقشة الملفات التي تهم القطاع في المجلس الأعلى للتربية والتكوين
والبحث العلمي، فضلا عن ضعفه في العروض التي ألقاها أمام الفرق البرلمانية؟
أم أن التغيير سيمس التوجهات وطرق العمل والتصويت؟
هل سيكون المؤتمر الاستثنائي المزمع عقده بداية للديموقراطية الحقيقية، التي لم تهب على النقابة منذ تأسيسها قبل نصف قرن؟
هكذا إذن اختار الداودي أن يساوم تحقيق مطالب النقابة بتمكين حزبه من مقاعد نقابية تمكنها من السيطرة على مجالس بعض الجامعات والكليات. أما التيار الاتحادي فقد اختار هو أيضا أن يتساكن «ديموقراطيا» مع العدالة والتنمية، في إطار إيمانه بـ«التعدد»، تماما كما تساكن طيلة عقود مع تيارات مضادة له، ولم تمنعه من أن يبقي على سيطرته على الأجهزة التقريرية للنقابة، علما أن مختلف التيارات الغاضبة، منذ المؤتمر السادس، كما في المؤتمر السابع المنعقد في 2002، سجلت تحفظات على بعض بنود النظام الانتخابي والنظام الداخلي للنقابة، والتي تعتبر حسب رأيها حجر عثرة أمام إنجاح «الديموقراطية الحقيقية» داخل مؤتمر هذه النقابة، ومنها مثلا تغيير آليات التصويت على التقريرين الأدبي والمالي من التصويت برفع الأيدي أو بالتصفيق كما جرت العادة.
لكن ما نعلمه يقينا هو أن هذا «التصالح» بين التيار الاتحادي وتيار العدالة والتنمية لن يستمر طويلا، فإن كانت الظرفية الحالية فرضت عليهما عقد صفقة في أفق عقد المؤتمر الاستثنائي، بحيث يكسب حزب العدالة والتنمية موقعا في نقابة يسيطر عليها اليسار تاريخيا لأزيد من نصف قرن، وفي المقابل يستعيد التيار المسيطر على النقابة بعض اللمعان الذي فقده بسبب مشاكل تنظيمية عاشها الحزب وأثرت كثيرا على عمل النقابة، فإن المؤتمر الاستثنائي المزمع عقده، لن يكتب له النجاح إلا إذا تم تغيير القانون الأساسي والنظام الداخلي، بشكل يسمح بتفعيل ديموقراطية حقيقية، وهو الأمر الذي يصعب القبول به من طرف التيار الاتحادي، والذي سيلجأ إلى تعديلات ولكن على مقاس يضمن الاستمرار في هيمنته. وحتى إذا تم السماح بوجود كبير لتيار العدالة والتنمية في أجهزة النقابة بعد المؤتمر المقبل، فإن الهاجس الأكبر لعموم نساء ورجال التعليم العالي سيكون حتما هو استقلالية النقابة، علما أن الصفقة ذاتها ستضع حزب لحسن الداودي في موقف متناقض مع كل الملاحظات التي سجلها إبان المؤتمر العاشر، أي اللجوء إلى الكواليس لتوزيع كعكة النفوذ في الأجهزة التقريرية للنقابة، والقبول باعتماد المحاصصة الحزبية كما جرت به العادة داخل النقابة لأكثر من خمسة عقود.
إن المؤسف حقا هو أن يتم إفراغ الحياة الجامعية من جوهرها الفكري والعلمي الحر، ورهن مستقبلها للحسابات الحزبية الضيقة، فإذا كان الجميع يحسب لحكومة بنكيران الثانية قبولها بإسناد وزارة التعليم المدرسي لتكنوقراطي بسبب الفساد الكبير الذي أحدثته الحزبية في هذا القطاع، فإن الحكومة ذاتها لم تستطع أن تخلص قطاع التعليم العالي من الحزبية، إذ لم يكفها فيل فزادوها فيلة عندما عينت وزيرة أخرى منتمية للعدالة والتنمية سبق لها أن حصلت على المغادرة الطوعية من التعليم العالي، فقط لترضية خواطر «عيالات» بنكيران، علما أن كل المطلعين على ما يجري في مقر الوزارة بحسان يعرفون أن وجود الوزير كعدمه.
وكم كان أمل المغاربة كبيرا أن يشهد قطاع التعليم العالي دينامية لتغيير ثقافة التدبير الحالية، والتي ملؤها المحسوبية والزبونية والحزبوية الضيقة، وتتم إعادة هيكلة هذا القطاع بشكل يسمح بأن يكون التعليم العالي قاطرة للتنمية، ومزودا للمجتمع بالأطر الكفأة في الاقتصاد والصناعة والتعليم والإدارة.
مشكلة الجامعة المغربية تتلخص في كونها ساحة تتصارع فيها رؤيتان متناقضتان ولا مجال للتوفيق بينهما؛ رؤية تتبناها الدولة وهي ربط الجامعة بالعولمة، لكن دون أن توفر لهذه الرؤية الحد الأدنى من الشروط المادية واللوجستيكية المناسبة، ورؤية تقليدية، البعض يسميها أصيلة، تعتبر الجامعة هي مختبر للتفكير الحر بعيدا عن كل أجندات الدولة «الرجعية» عند البعض و«الكابحة» عند البعض الآخر، لكن دون أن تكون لديهم أجوبة حول أسئلة التحديث والتنمية، وهذا يعد في حد ذاته مشكلة تمس مدى قابلية كل مشاريع إصلاح الجامعة للتنفيذ.
والوجه الأول للمشكلة يتمثل في أنظمة التكوين والتقويم، سواء كان تقويما للطلبة أو للأساتذة، فنظامنا التعليمي لا تحكمه مقاربة موضوعية في ما يتعلق بالتقويم، بل إنه ارتجالي وعفوي وانطباعي ولم يرق بعد إلى ما هو معروف عالميا من معايير صارمة يضيق المجال هنا لسردها؛ فالطالب عندنا لا يستطيع أن يدرك أين تبدأ حقوقه، لذلك يعتبر كل شيء حقا، بما في ذلك الحق في النقط والحق في النجاح دون أن يبذل جهدا لنيلها، والأستاذ لا يعرف أين تنتهي مسؤولياته، مسؤوليته في ضمان تكافؤ الفرص والاجتهاد في البحث العلمي الحقيقي، وهذا مستوى من النقاش لا يبدو أن لوزارة لحسن الداودي ونقابة الاتحاد الاشتراكي من الاستعداد ما يكفي لبلوغه.
هل سيكون المؤتمر الاستثنائي المزمع عقده بداية للديموقراطية الحقيقية، التي لم تهب على النقابة منذ تأسيسها قبل نصف قرن؟
هكذا إذن اختار الداودي أن يساوم تحقيق مطالب النقابة بتمكين حزبه من مقاعد نقابية تمكنها من السيطرة على مجالس بعض الجامعات والكليات. أما التيار الاتحادي فقد اختار هو أيضا أن يتساكن «ديموقراطيا» مع العدالة والتنمية، في إطار إيمانه بـ«التعدد»، تماما كما تساكن طيلة عقود مع تيارات مضادة له، ولم تمنعه من أن يبقي على سيطرته على الأجهزة التقريرية للنقابة، علما أن مختلف التيارات الغاضبة، منذ المؤتمر السادس، كما في المؤتمر السابع المنعقد في 2002، سجلت تحفظات على بعض بنود النظام الانتخابي والنظام الداخلي للنقابة، والتي تعتبر حسب رأيها حجر عثرة أمام إنجاح «الديموقراطية الحقيقية» داخل مؤتمر هذه النقابة، ومنها مثلا تغيير آليات التصويت على التقريرين الأدبي والمالي من التصويت برفع الأيدي أو بالتصفيق كما جرت العادة.
لكن ما نعلمه يقينا هو أن هذا «التصالح» بين التيار الاتحادي وتيار العدالة والتنمية لن يستمر طويلا، فإن كانت الظرفية الحالية فرضت عليهما عقد صفقة في أفق عقد المؤتمر الاستثنائي، بحيث يكسب حزب العدالة والتنمية موقعا في نقابة يسيطر عليها اليسار تاريخيا لأزيد من نصف قرن، وفي المقابل يستعيد التيار المسيطر على النقابة بعض اللمعان الذي فقده بسبب مشاكل تنظيمية عاشها الحزب وأثرت كثيرا على عمل النقابة، فإن المؤتمر الاستثنائي المزمع عقده، لن يكتب له النجاح إلا إذا تم تغيير القانون الأساسي والنظام الداخلي، بشكل يسمح بتفعيل ديموقراطية حقيقية، وهو الأمر الذي يصعب القبول به من طرف التيار الاتحادي، والذي سيلجأ إلى تعديلات ولكن على مقاس يضمن الاستمرار في هيمنته. وحتى إذا تم السماح بوجود كبير لتيار العدالة والتنمية في أجهزة النقابة بعد المؤتمر المقبل، فإن الهاجس الأكبر لعموم نساء ورجال التعليم العالي سيكون حتما هو استقلالية النقابة، علما أن الصفقة ذاتها ستضع حزب لحسن الداودي في موقف متناقض مع كل الملاحظات التي سجلها إبان المؤتمر العاشر، أي اللجوء إلى الكواليس لتوزيع كعكة النفوذ في الأجهزة التقريرية للنقابة، والقبول باعتماد المحاصصة الحزبية كما جرت به العادة داخل النقابة لأكثر من خمسة عقود.
إن المؤسف حقا هو أن يتم إفراغ الحياة الجامعية من جوهرها الفكري والعلمي الحر، ورهن مستقبلها للحسابات الحزبية الضيقة، فإذا كان الجميع يحسب لحكومة بنكيران الثانية قبولها بإسناد وزارة التعليم المدرسي لتكنوقراطي بسبب الفساد الكبير الذي أحدثته الحزبية في هذا القطاع، فإن الحكومة ذاتها لم تستطع أن تخلص قطاع التعليم العالي من الحزبية، إذ لم يكفها فيل فزادوها فيلة عندما عينت وزيرة أخرى منتمية للعدالة والتنمية سبق لها أن حصلت على المغادرة الطوعية من التعليم العالي، فقط لترضية خواطر «عيالات» بنكيران، علما أن كل المطلعين على ما يجري في مقر الوزارة بحسان يعرفون أن وجود الوزير كعدمه.
وكم كان أمل المغاربة كبيرا أن يشهد قطاع التعليم العالي دينامية لتغيير ثقافة التدبير الحالية، والتي ملؤها المحسوبية والزبونية والحزبوية الضيقة، وتتم إعادة هيكلة هذا القطاع بشكل يسمح بأن يكون التعليم العالي قاطرة للتنمية، ومزودا للمجتمع بالأطر الكفأة في الاقتصاد والصناعة والتعليم والإدارة.
مشكلة الجامعة المغربية تتلخص في كونها ساحة تتصارع فيها رؤيتان متناقضتان ولا مجال للتوفيق بينهما؛ رؤية تتبناها الدولة وهي ربط الجامعة بالعولمة، لكن دون أن توفر لهذه الرؤية الحد الأدنى من الشروط المادية واللوجستيكية المناسبة، ورؤية تقليدية، البعض يسميها أصيلة، تعتبر الجامعة هي مختبر للتفكير الحر بعيدا عن كل أجندات الدولة «الرجعية» عند البعض و«الكابحة» عند البعض الآخر، لكن دون أن تكون لديهم أجوبة حول أسئلة التحديث والتنمية، وهذا يعد في حد ذاته مشكلة تمس مدى قابلية كل مشاريع إصلاح الجامعة للتنفيذ.
والوجه الأول للمشكلة يتمثل في أنظمة التكوين والتقويم، سواء كان تقويما للطلبة أو للأساتذة، فنظامنا التعليمي لا تحكمه مقاربة موضوعية في ما يتعلق بالتقويم، بل إنه ارتجالي وعفوي وانطباعي ولم يرق بعد إلى ما هو معروف عالميا من معايير صارمة يضيق المجال هنا لسردها؛ فالطالب عندنا لا يستطيع أن يدرك أين تبدأ حقوقه، لذلك يعتبر كل شيء حقا، بما في ذلك الحق في النقط والحق في النجاح دون أن يبذل جهدا لنيلها، والأستاذ لا يعرف أين تنتهي مسؤولياته، مسؤوليته في ضمان تكافؤ الفرص والاجتهاد في البحث العلمي الحقيقي، وهذا مستوى من النقاش لا يبدو أن لوزارة لحسن الداودي ونقابة الاتحاد الاشتراكي من الاستعداد ما يكفي لبلوغه.