مدرسة مول الشكارة
أستهل مقالي هذا بما جاء في دردشة لي مع أحد الأصدقاء؛ “واش فيك ما
تقابل واحد المدرسة خاصة في المدينة واحد السيد جا من فرنسا وباغي يدير شي
مشروع وقالو ليه الناس: دير مدرسة را فيها الفلوس…” بالتأكيد، ما تحمله
الكلمات من دلالات تجعلنا ندرك بالغ الإدراك أن الأمر مجرد تبزنيس وقح
غايته الربح؛ كالتبزنيس في مقهى أو مطعم…أي خير نترجاه في المدرسة في واقع
كهذا…؟ أي مستقبل نستشرفه لأبناء هذا الوطن؟
تختلف التفسيرات
والتأويلات في واقع تعليمنا وفي الوضع الكارثي الذي تعيشه المدرسة المغربية
وفي تمظهرات ومسببات هذا الوضع. فمن فلسفة تربوية فاشلة، وبنية تحتية
مدرسية هشة إلى مناخ سوسيو ثقافي سلبي في الكثير من ملامحه، يرتبك المرء
فيما نحن فيه من فوضى ولا يملك غير الريبة والخوف من المستقبل…
في
خطاب الوحدة الأخير، خاطب الرئيس اوباما الشعب الأمريكي قائلا:” دعنا نتأكد
من أن شواهد البكالوريا تضع أولادنا في الطريق المناسب للعمل المناسب؛
الآن وفي بلدان كألمانيا نلاحظ التركيز على تدريس تلاميذ التعليم الثانوي
برامج تعليمية تساوي في قيمتها وفي نوعيتها برامج تعليمية تقنية في
جامعاتنا المحلية؛ بهذه الطريقة هم مستعدون للعمل…” في خطاباتنا نحن، الأمر
مجرد بهرجة سياسية جوفاء تجعلنا متيقنين أشد اليقين أننا غير مستعدين بعد…
في العالم المتحضر، تجتهد الدولة في رسم ملامح فلسفتها التربوية وفي كيفية
ضبطها وتطويرها حتى تضمن الجودة والفاعلية المطلوبتين لتحقيق النمو وضمان
الريادة . اجتهاد تبرره الرغبة الأكيدة لدى صناع القرار في توفير كل ما
يلزم للمشتغلين في قطاع التربية للرفع من قيمة وفاعلية المنتوج التربوي
وتنافسيته. اجتهاد يتركز في العمل على نقاط يراها المشرع النواة الحقيقة
للسياسة التربوية الرشيدة والمنتجة لعل أبرزها هو استقلالية الفعل التربوي.
يتحقق هذا المفهوم على ثلاث مستويات:
وطنيا: يشتغل الفاعل التربوي بحرية واستقلالية في رسم التوجهات العامة
للعملية التعليمية التعلمية، فالمدرسة وفق هذا التصور مشروع تربوي بامتياز
وليس مشروعا سياسيا. فالاختيارات التربوية يحددها الباحث والأكاديمي ويقتصر
دور السياسي فقط في توفير الشروط والظروف الملائمة والضامنة لسلامة وجودة
الاختيارات.
محليا: يتحمل رؤساء المقاطعات التربوية كامل المسؤولية في سير المؤسسات التربوية الخاضعة لنفوذهم الترابي، هذا يشمل:
- رسم المنهجيات العامة لعمليات التعليم والتعلم.
- تدبير الموارد البشرية والمادية للمؤسسات.
- وضع آليات التقويم والدعم.
- البحث في الشراكات والتعاقدات.
مؤسساتيا: يتمتع مدراء المدارس وأطقمهم الإدارية بكامل الاستقلالية في بلورة وصياغة منهجيات وآليات التدبير اليومي للمؤسسات…
في عالمنا نحن، تغيب مثل هذه التصورات والمفاهيم ويغلب على المشهد التربوي
سوء تدبير مفضوح نراه في مركزية القرارات التربوية وغياب سياسة تعليمية
واضحة وبناءة ونلمس بعض من أثره في محدودية الكفاءة وفي تدني مستوى
التحصيل، وفي هذا العنف الذي بات يسكن مدارسنا…كل هذا كوم وفوضى مدارسنا
الخاصة ‘كوم’ ثان. بالطبع لا يسمح لنا هذا المقام بمقارنات دقيقة أوالخوض
في شأن هذا الواقع التعليمي المنحط بتفصيل. لكنه ربما يسمح لي ولكم بيقين
لا يحتمل أي شك أو ريبة في كون مدرستنا المغربية تقترب كل يوم أكثر من
كارثة حقيقية. كارثة لن تنفع معها مساحيق التجميل التي تزين خطابات سادتنا
ولا وعودهم الكاذبة ولا لجان التعليم ومجالسه الديكورية. بالدارجة: “را
ريحة الخنز عطات في التعليم.”
كيف يعقل أن يتولى التقنوقراطي تدبير
الشأن التعليمي وهو إختصاص تربوي بإمتياز؟ كيف يعقل أن يستثمر ‘مول
الشكارة’ في المدرسة؟ أليست مشروعا بيداغوجيا؟ كيف يمكن الحديث أصلا عن
الإصلاح في غياب مشروع ثقافي حقيقي؟
المصدر: