وزير تعليم مغربي يخاطب أساتذة دولة تشاد الشقيقة
بقلم : بشرى النوري
خلال ندوة حول الثقافة والكتاب ووسائل
التواصل الحديثة التي أقيمت بمدينة سلا يوم السبت 21 مارس ، وصف السيد رشيد
بلمختار وزير التربية الوطنية رجال ونساء التعليم بالمغرب بعدم الكفاءة
المهنية إضافة لتعليمهم "لخرايف" للتلاميذ وممارستهم للعنف في حقهم ، وهذا
ما أفرز لنا 76 بالمائة من التلاميذ لا يحسنون القراءة والكتابة بعد 4
سنوات من الدراسة استنزفت خلالها 27 بالمائة من ميزانية الدولة ...
لن أناقش هنا كلام السيد الوزير الذي يبدو واضحا جدا أن لا علاقة له تصريح
رجل الدولة المسؤول ، يبدو في ظاهره كلامَ رجل منفعل ، فقد توازنه وهو
جالس في مقهى مع الأصدقاء وصدر عنه رد فعل انتقامي على الانتقادات الحادة
التي صار يتعرض لها من قبل أطر التعليم منذ هبوطه كمظلي محترف على كرسي
الوزارة ، كما أنني لن أقول أنه أحد المعمرين الذين يسيرون البلاد ، وبأنه
تكنوقراط ورجل مال وأعمال ، سعى إلى استوزاره ليجد منفذا لتصريف بضاعة
شركته المختصة في الإلكترونيات ..
سنناقش هنا تهمتين خطيرتين نعت
بها رجال التعليم ، وهما تهمتي قلة الكفاءة المهنية وأخرى أثقل متمثلة في
نقل الأساتذة للخرافة لتلاميذهم
سنفترض جدلا بأن كلامه صحيح ، هنا يفرض سيل من الأسئلة نفسه وعلى السيد الوزير أن يتحلى بالجرأة والمسؤولية للإجابة عنها :
أين تم تكوين الأساتذة الذين أسقط عنهم السيد الوزير الكفاءة المهنية ؟؟
أليس في مراكز التربية والتكوين المغربية ؟؟ أليست هذه المراكز تابعة
لوزارة التعليم المغربية ؟؟ من أشرف على تكوينهم داخل هذه المراكز ؟؟
أليسوا أساتذة متخصصين ومنهم مبرزين تخرجوا من جامعات مغربية تابعة لوزارة
التعليم العالي والتي تمثل الدولة بدورها ؟؟ كيف سمحت إدارة هذه المراكز
بتخريج مجموعة من ناقصي الكفاءة ومنحتهم شهادة التخرج ؟؟ ألا يعرضهم هذا
للمسؤولية المهنية والأخلاقية ومعهم رئيسهم الذي هو السيد بلمختار ؟؟ أليست
هذه تهمة غير مباشرة بفساد وفوضى هذه المراكز ؟؟ ثم كيف تمكنوا من اجتياز
امتحان الكفاءة المهنية بنجاح على يد مفتشين تابعين للوزارة التي يرأسها
الوزير التكنوقراط ؟؟
هذه نماذج فقط من أسئلة كثيرة يستدعيها اتهام
السيد الوزير لرجال ونساء التعليم المغاربة ، والذي لم يكن في جوهره سوى
اتهاما ضمنيا لوزارته ووقوعه هو شخصيا ومن سبقه من الوزراء تحت طائلة
المسؤولية التقصيرية ، وإن شئنا تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية فإنهم
يتحملون المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية أيضا أمام هذا التدهور
المخيف الذي وصلت إليه كفاءة شغيلتنا التعليمية ، ليسوا رجال ونساء تعليم
دولة تشاد الشقيقة ليتهمهم هذه التهمة ويمضي إلى حال سبيله دون أن يتحمل
مسؤوليته كاملة.
هذا عن شق الكفاءة والأهلية المهنية ، أما اتهامهم
بأنهم يعلمون تلاميذهم "لخرايف" فتلك معضلة وتهمة أكثر تعقيدا يتقاطع فيها
الديني بالسياسي والتاريخي . فإن كان اتهام الوزير صحيحا ، فلابد أنه يقصد
بكلامه استخدام الأساتذة لمقررات وزارة التربية الوطنية لإيصال الخرافة
لتلاميذهم ، هنا نستحضر تلقائيا المسؤولية المباشرة للوزارة التي أشَّرت
على مقررات دراسية أنجزها مفتشون وأكاديميون متخصصون تلقوا تعويضات محترمة
على عملهم هذا ، ثم ماذا يقصد السيد الوزير بالخرافة التي يلقنها الأساتذة
لتلاميذهم ؟؟ هل يقصد بعض المحطات من تاريخنا المغربي الذي كتبه مؤرخو
السلاطين المغاربة مثلا والتي أدمجت في مقرر التاريخ ؟؟ هل يقصد مادة
التربية الإسلامية التي اقتصر مقرروها على إدماج فقرات تخدم النظام القائم
وتسهم في تعميق جهل التلميذ وصرف نظره عن القضايا الجوهرية لدينه ودنياه
وتمسكه بالقشور ؟؟ هل يقصد إصرار الوزارة على تلقين الطفل منذ سنته الأولى
الخط الكوفي في المصاحف العثمانية إلى جانب الخط العربي العادي ، الأمر
الذي يتسبب للطفل في حالة من التيه والنفور من اللغة العربية ؟؟ هل يقصد
مقرر مادة اللغة العربية المحشو في غالبيته بدروس عن الشعر العربي الجاهلي
المعقد والنحو والصرف والتحويل والإعراب وفي آخر المطاف يُطالَبُ الطالب
المغربي بإتقانه للغات الاجنبية عند طرقه أبواب الشغل ، ولا أحد يسأله عن
اللغة العربية التي عبر وزيرنا عن عدم درايته بها أمام قناة فرنسية ؟؟ هل
يقصد صور الملوك والأمراء العلويين المنتشرة في مقررات الوزارة والتي لم
تستثني حتى مقرر التربية التشكيلية ؟؟
أما إن تحدثنا عن المردودية
الهزيلة لرجال التعليم فتلك حكاية أخرى ، ذات صلة مباشرة بمسؤولية أكثر من
قطاع في الدولة وبتقصير هذه الاخيرة بل وإجحافها في حق الأستاذ .
سؤال واحد عريض يتعلق بظروف اشتغال رجال التعليم وبين طياته تكمن أسئلة
أخرى فرعية ما على السيد الوزير إلا الإجابة عنها ليعرف السبب الكامن وراء
هذه النتيجة الهزيلة التي تحدث عنها بلغة الأرقام : ما الذي يمكننا أن
ننتظره من أستاذ/ة يصل إلى فيافي وقفار وأدغال وقمم المغرب بعد ساعتين
مشيا على الأقدام ، وهناك يشتغل ويعيش في ظروف لا تليق بأي كائن حي ؟؟ هل
يمكننا أن ننتظر نتيجة إيجابية من أستاذ/ة يجمع مستويين أو ثلاثة في قسم
واحد ، وفي هذا القسم يوجد مطبخه وسريره ويفصل بين هذه "المرافق" حجاب ،
ولا مكان لقضاء حاجاته الطبيعية إلا الخلاء ؟؟، أما عن زملائهم في المدن
الكبرى فحالهم ليس أفضل ، يختلفون عنهم في شكل المعاناة فقط ، ترى ، هل
يغيب عن السيد الوزير معلومة شائعة تقول بأن الأغلبية الساحقة من الأساتذة
تشتغل في أقسام تضم ما يقارب الأربعين أو الخمسين تلميذا أحيانا في نفس
الوقت الذي يعانون فيه من مشاكل السكن والتنقل ؟؟
جفت أقلامنا وبحت
حناجرنا لعل صوت رجل التعليم يصل لمن يهمه الأمر ، لكن ، وفي كل مرة تطلق
صرخة/نداء تصطدم بحائط فولاذي وبآذان صماء فترتد إلينا غير فاقدة للأمل
والقوة لنعيد الكرة مجددا ، والأدهى من هذا الصمم ، ردة الفعل الوقحة التي
يهرب إليها المسؤولون على قطاع التعليم وعلى رأسهم وزيره ، ففي كل مرة تفرغ
جعبتهم من الردود المقنعة والحلول الاقتراحية المناسبة يلقون باللوم على
رجل التعليم ويحملونه المسؤولية كاملة وكأن هذا الأستاذ دَرَس ويُدَرِّس في
دولة تشاد الشقية .
لسنا هنا ننثر الورود على رجال التعليم ونرش
العطر على نسائه ، يتحملون بدورهم قسطا من المسؤولية كفاعلين محوريين عما
آلت إليه منظومة التعليم في كليتها ، لكن ، ليس كل المسؤولية كما "تفضل"
السيد الوزير بالشرح ، هم في الأول والأخير يشتغلون وفق مقررات ممنوحة وفي
ظل بنية تحتية وفرتها الدولة ووفق تراتبية إدارية يقف وزير التعليم على
رأسها ويتحمل بالتالي القسط الأوفر فيها
السيد الوزير وكما عهدناه ،
لسانه يسبق عقله ، أطلق تصريحا ولم يحسب حسابا لأي كلمة فيه ، وبما أنه لا
يتقن اللغة العربية كما اعترف بذلك فلا بد أنه يجهل أصلا معنى الكلمات
التي أدرجها في اتهامه ، وكأننا أمام مدرب للتنمية البشرية أو ما بات يصطلح
عليه ب "كوتش" الذي يلقي دوما بالمسؤولية على الشخص ويفصل مردوديته عن
الواقع والظروف التي يشتغل فيها ويطلب منه الاعتماد على "العزيمة" و
"الإرادة" لتحقيق المستحيل من قلب العدم .
بشرى النوري