الثقافة الانتظارية سائدة على الثقافة التدبيرية في حل مشاكل التعليم بالمغرب
حكومة تستحق الشفقة لا غير
المصطفى مورادي
كاتب و صحفي
شرعت وزارة التربية الوطنية على الصعيدين المركزي والجهوي في عقد اللقاءات الخاصة بتنزيل التدابير الإصلاحية ذات الأولوية في رؤية الوزير بلمختار للإصلاح، وبغض النظر عن الخطة التي تنوي بها الوزارة تكييف هذا الإصلاح مع ما سيأتي به التقرير الاستراتيجي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وبغض النظر أيضا عن كون هذه الرؤية مجرد نسخة جديدة عن البرنامج الاستعجالي، والذي مايزال الجميع يطالب بمعرفة نتائج الافتحاصات التي خضع لها منذ توقيف العمل بمشاريعه، فإن إحدى أهم العراقيل التي سيواجهها أي إصلاح في القطاع، تتمثل في سيادة ثقافة تدبيرية بائدة، ثقافة عنوانها الارتجال وتدبير الأزمة بـ "اللي كاين"، وحتى لا يبدو كلامنا عاما وفضفاضا، نقول أن هناك قرارات مصيرية يمكن أن تغير الكثير من المعطيات في واقع منظومتنا التربوية لا تكلف درهما واحدا، وفي انتظار ذلك، يبقى الوصف المناسب لتعامل الحكومة مع هذا القطاع هو العبث الموجب للكثير من الشفقة على مستقبل قطاع مصيري من حجم التعليم، يدبره عجزة بدون رؤية.
فإذا كان المسؤولون المتدخلون في قطاع التعليم يحبون دوما الحديث عن التكلفة المالية والتدبيرية للإصلاح، فإنهم دوما يتجاهلون حقيقة أن بعضهم يعد في حد ذاته عائقا في وجه الإصلاح، لكونهم تطبعوا مع ثقافة انتظارية تعود لعقود غابرة، لم يعد لها من مكان في ظل
فلم تمر إلا أسابيع قليلة على صدور مقرر وزاري يعيد للقانون هيبته وللدولة سلطتها في قطاع التعليم، أمام جشع سماسرة الساعات الإضافية ومصاصي دماء الأسر المغربية، هاهو مدير أكاديمية مراكش، المعروف بعلاقاته "الممتازة" مع الأجهزة الأمنية منذ كان مديرا على أكاديمية جهة الصحراء، يتنازل عن تطبيق القانون، فقط لأنه تلقى اتصالا من الوالي يحذره من انفلات أمني إن هو استمر في تطبيق مقرر وزاري موقع من مسؤوله الحكومي رشيد بلمختار، ففي زمن نتحدث فيه عن الجهوية الموسعة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يزال ولاة الجهات يتحكمون في الشاردات والواردات في مناطق نفوذهم، بما في ذلك تعطيل العمل بالقانون استنادا لتأويلهم الخاص للأمن، مع أن المطلوب هو الضرب بيد حديدية على الذين وظفوا التلاميذ لاحتلال الشارع العام والمطالبة بعدم تطبيق قانون الساعات الإضافية المؤدى عنها، والتي تعد الوجه البشع للابتزاز والاستغلال، ثم لأن هذا المقرر لم يأت ببدعة غير قانونية تحتاج لكثرة التأويلات، لكونه يفعل ما جاء في قانون الوظيفة العمومية كما يهدف إلى حماية روح المدرسة العمومية، والمتمثلة في تكافؤ الفرص، وما تفضيل مدير أكاديمية مراكش الإذعان لأوامر الوالي بدل الإذعان لمقتضيات القانون وأوامر وزيره إلا دليل عما نقصده هنا بالعبث الذي يستحق الكثير من الشفقة.
الوجه الآخر للعبث الحكومي والوزاري المزمن، هو أنه بالرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ماتزال الوزارة تؤجل إخراج القوانين التنظيمية المنظمة لكل العمليات التي يقتضيها التأهيل المهني لمدرسي وإداريي المستقبل، إذ ما تزال التداريب الميدانية تعاني صعوبات كثيرة، بشكل فرض على المكونين والإداريين بهذه المراكز اللجوء إلى "المزاوكة والحزارة" لاستقبال الطلبة، لكون هذه العملية غير مؤطرة بقانون واضح يحدد المسؤوليات، وكأني بالمكونين والإداريين يكونون المدرسين والإداريين لدولة في جزيرة الوقواق، ثم أيضا وعلى الرغم من مرور ستة أشهر كاملة على انطلاق السنة التكوينية الحالية، ماتزال الحكومة تتلكأ في حل مشكلة المنح الخاصة بالطلبة، بالرغم من توفرها على اللوائح النهائية للمتدربين، والنتيجة هي أن كل المراكز الجهوية تعرف منذ أكثر من أسبوعين شللا حقيقيا، بسبب احتجاجات الطلبة عن تأخر المنح، ووجه العبث الحكومي هنا واضح، وهو أنه بالرغم من مرور أشهر عن موعد المصادقة على مشروع قانون المالية، فوزارة التربية الوطنية لم تتوصل بعد بالمنح، علما أن لجينة صغيرة على صعيد وزارتي المالية والتربية الوطنية قادرة على حل هذه المشكلة منذ بداية السنة، وأنا أتصور الآن، كيف لحكومة تعبث في مجال تكوين الأطر أن تكون لها رؤية واضحة بخصوص تعويضات عشرات الآلاف من المدرسين الذين سيحالون على التقاعد في السنوات القليلة القادمة؟ ثم كيف لها أن تملك تصورا لإصلاح التعليم وهي غير قادرة على كل مشكلة "تافهة" من حجم صرف المنح للطلبة الأساتذة؟
ونظرا لأن العبث والارتجال ليس حكرا على الحكومة، بل أصبح "فلسفة للتدبير" في الوزارة أيضا، فإنه من "الطبيعي" أيضا أن نجد أن الأكاديميات الجهوية ما تزال تتلكأ في تنفيذ ما تتضمنه مراسلة موقعة من الكاتب العام للوزارة بشأن التعويضات المالية للأستاذة المرشدين، هذا بالرغم من الميزانية التي ستتطلبها هذه العملية هي ميزانية ضعيفة جدا، وكأني بمديري الأكاديميات يأتمرون بأوامر جهة أخرى غير الكاتب العام والوزير، فهل يتعلق الأمر فعلا بالعجز أم بالضحك على الذقون؟
الثقافة التدبيرية التي يؤسس لها دستور 2011، لذلك لا يحتاج المرء للكثير من الوقت والجهد ليتبين حقيقة العجز الحكومي المزمن في معالجة قضايا هذا القطاع، بالرغم من كل شعاراتها الشعبوية الزائفة التي "يقترفها" مسؤولونا كلما "احتلوا" منبرا بمناسبة وبدونها. ومن الطبيعي أن تصيب عدوى هذا العبث والانتظارية المزمنة هذه الوزارة المتكلسة.
المصطفى مورادي
كاتب و صحفي
شرعت وزارة التربية الوطنية على الصعيدين المركزي والجهوي في عقد اللقاءات الخاصة بتنزيل التدابير الإصلاحية ذات الأولوية في رؤية الوزير بلمختار للإصلاح، وبغض النظر عن الخطة التي تنوي بها الوزارة تكييف هذا الإصلاح مع ما سيأتي به التقرير الاستراتيجي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وبغض النظر أيضا عن كون هذه الرؤية مجرد نسخة جديدة عن البرنامج الاستعجالي، والذي مايزال الجميع يطالب بمعرفة نتائج الافتحاصات التي خضع لها منذ توقيف العمل بمشاريعه، فإن إحدى أهم العراقيل التي سيواجهها أي إصلاح في القطاع، تتمثل في سيادة ثقافة تدبيرية بائدة، ثقافة عنوانها الارتجال وتدبير الأزمة بـ "اللي كاين"، وحتى لا يبدو كلامنا عاما وفضفاضا، نقول أن هناك قرارات مصيرية يمكن أن تغير الكثير من المعطيات في واقع منظومتنا التربوية لا تكلف درهما واحدا، وفي انتظار ذلك، يبقى الوصف المناسب لتعامل الحكومة مع هذا القطاع هو العبث الموجب للكثير من الشفقة على مستقبل قطاع مصيري من حجم التعليم، يدبره عجزة بدون رؤية.
فإذا كان المسؤولون المتدخلون في قطاع التعليم يحبون دوما الحديث عن التكلفة المالية والتدبيرية للإصلاح، فإنهم دوما يتجاهلون حقيقة أن بعضهم يعد في حد ذاته عائقا في وجه الإصلاح، لكونهم تطبعوا مع ثقافة انتظارية تعود لعقود غابرة، لم يعد لها من مكان في ظل
فلم تمر إلا أسابيع قليلة على صدور مقرر وزاري يعيد للقانون هيبته وللدولة سلطتها في قطاع التعليم، أمام جشع سماسرة الساعات الإضافية ومصاصي دماء الأسر المغربية، هاهو مدير أكاديمية مراكش، المعروف بعلاقاته "الممتازة" مع الأجهزة الأمنية منذ كان مديرا على أكاديمية جهة الصحراء، يتنازل عن تطبيق القانون، فقط لأنه تلقى اتصالا من الوالي يحذره من انفلات أمني إن هو استمر في تطبيق مقرر وزاري موقع من مسؤوله الحكومي رشيد بلمختار، ففي زمن نتحدث فيه عن الجهوية الموسعة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يزال ولاة الجهات يتحكمون في الشاردات والواردات في مناطق نفوذهم، بما في ذلك تعطيل العمل بالقانون استنادا لتأويلهم الخاص للأمن، مع أن المطلوب هو الضرب بيد حديدية على الذين وظفوا التلاميذ لاحتلال الشارع العام والمطالبة بعدم تطبيق قانون الساعات الإضافية المؤدى عنها، والتي تعد الوجه البشع للابتزاز والاستغلال، ثم لأن هذا المقرر لم يأت ببدعة غير قانونية تحتاج لكثرة التأويلات، لكونه يفعل ما جاء في قانون الوظيفة العمومية كما يهدف إلى حماية روح المدرسة العمومية، والمتمثلة في تكافؤ الفرص، وما تفضيل مدير أكاديمية مراكش الإذعان لأوامر الوالي بدل الإذعان لمقتضيات القانون وأوامر وزيره إلا دليل عما نقصده هنا بالعبث الذي يستحق الكثير من الشفقة.
الوجه الآخر للعبث الحكومي والوزاري المزمن، هو أنه بالرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ماتزال الوزارة تؤجل إخراج القوانين التنظيمية المنظمة لكل العمليات التي يقتضيها التأهيل المهني لمدرسي وإداريي المستقبل، إذ ما تزال التداريب الميدانية تعاني صعوبات كثيرة، بشكل فرض على المكونين والإداريين بهذه المراكز اللجوء إلى "المزاوكة والحزارة" لاستقبال الطلبة، لكون هذه العملية غير مؤطرة بقانون واضح يحدد المسؤوليات، وكأني بالمكونين والإداريين يكونون المدرسين والإداريين لدولة في جزيرة الوقواق، ثم أيضا وعلى الرغم من مرور ستة أشهر كاملة على انطلاق السنة التكوينية الحالية، ماتزال الحكومة تتلكأ في حل مشكلة المنح الخاصة بالطلبة، بالرغم من توفرها على اللوائح النهائية للمتدربين، والنتيجة هي أن كل المراكز الجهوية تعرف منذ أكثر من أسبوعين شللا حقيقيا، بسبب احتجاجات الطلبة عن تأخر المنح، ووجه العبث الحكومي هنا واضح، وهو أنه بالرغم من مرور أشهر عن موعد المصادقة على مشروع قانون المالية، فوزارة التربية الوطنية لم تتوصل بعد بالمنح، علما أن لجينة صغيرة على صعيد وزارتي المالية والتربية الوطنية قادرة على حل هذه المشكلة منذ بداية السنة، وأنا أتصور الآن، كيف لحكومة تعبث في مجال تكوين الأطر أن تكون لها رؤية واضحة بخصوص تعويضات عشرات الآلاف من المدرسين الذين سيحالون على التقاعد في السنوات القليلة القادمة؟ ثم كيف لها أن تملك تصورا لإصلاح التعليم وهي غير قادرة على كل مشكلة "تافهة" من حجم صرف المنح للطلبة الأساتذة؟
ونظرا لأن العبث والارتجال ليس حكرا على الحكومة، بل أصبح "فلسفة للتدبير" في الوزارة أيضا، فإنه من "الطبيعي" أيضا أن نجد أن الأكاديميات الجهوية ما تزال تتلكأ في تنفيذ ما تتضمنه مراسلة موقعة من الكاتب العام للوزارة بشأن التعويضات المالية للأستاذة المرشدين، هذا بالرغم من الميزانية التي ستتطلبها هذه العملية هي ميزانية ضعيفة جدا، وكأني بمديري الأكاديميات يأتمرون بأوامر جهة أخرى غير الكاتب العام والوزير، فهل يتعلق الأمر فعلا بالعجز أم بالضحك على الذقون؟
الثقافة التدبيرية التي يؤسس لها دستور 2011، لذلك لا يحتاج المرء للكثير من الوقت والجهد ليتبين حقيقة العجز الحكومي المزمن في معالجة قضايا هذا القطاع، بالرغم من كل شعاراتها الشعبوية الزائفة التي "يقترفها" مسؤولونا كلما "احتلوا" منبرا بمناسبة وبدونها. ومن الطبيعي أن تصيب عدوى هذا العبث والانتظارية المزمنة هذه الوزارة المتكلسة.